الإيمان والتخطيط الاستراتيجي
ومثال آخر يبين ذلك أيضاً ويجليه وهو: عندما زحفت جيوش المسلمين إلى الغرب ففتحت أفريقيا كلها، ودخل عقبة بن نافع المحيط بفرسه حتى كاد أن يغيب في الماء، وقال: والله لو كنت أعلم أن وراءك أرضاً لخضتها غازياً في سبيل الله، فلما جاء موسى بن نصير وطارق بن زياد، أخذوا السفن واقتحموا البحر إلى الأندلس ثم اقتحمت الجيوش إلى جنوب فرنسا إلى قرب مدينة بواتييه، وهنالك دارت المعركة الكبرى، التي تسمى: بلاط الشهداء.
وكان التخطيط الذي كان يريده المسلمون هو أن يفتحوا فرنسا، ثم يلتفوا شرقاً إلى وسط أوروبا ثم إلى شرق أوروبا -هنغاريا وبلغاريا- ثم إلى تركيا، ثم يفتحون القسطنطينية، ثم يرجعون إلى بلاد الشام، إلى دمشق وإلى الخليفة، وأي أنهم كانوا يخططون لأكبر عملية التفاف عسكرية في التاريخ، بحيث يكون البحر الأبيض كله ضمن دائرة مرسومة.
سبحان الله! كيف رسمت هذه العقول هذه الخطة؟!
وكيف فكروا فيها بغض النظر عن نجاحها وعن تنفيذها؟!
لكن كيف خرج هؤلاء الأعراب؟!
ومن أية كلية عسكرية تخرجوا؟!
وعلى أية بعثة حصلوا؟!
حتى أصبح لديهم هذا التخطيط الرهيب الذي لم يكن يدور في خلد أي أعرابي!! ولم يكن العرب يعرفون ماذا يحيط بهم من الدنيا في الجاهلية، ولم يكونوا يعرفون الجغرافيا ولا الجهات ولا ركبوا البحر، وكان أخطر وأخوف شيء لديهم هو البحر، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح: { شهيد البحر مثل شهيدي البر } وهذه بشرى لأصحاب القواعد البحرية؛ لأن المقاتل في البحر يتحمل أعظم مما يتحمله غيره، فالمقصود أن هذه الفكرة وهذا التخطيط لم يكن عن دراسة عسكرية، ولم يحصل لهم ذلك، فما الذي فجر هذه الطاقات؟!
إنه الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.